الشيخ الطيب العقبي رحمه الله

الروح الوطنية

نائب المشرف العام
طاقم الإدارة
الشيخ الطيب العقبي رحمه الله


tayeb-lokbi.JPG


هذه العبارة هي للأستاذ محمد الأكحل شرفاء قالها بمناسبة إحياء الذكرى السادسة والأربعين لوفاة الشيخ الطيب العقبي رحمه الله، ولكنه قالها بصيغة المفرد "الرجل موقف"، فسرد على أسماع الحاضرين، مواقف للشيخ الطيب العقبي، وخص ثلاثة منها بالتحليل والتعليق لأهميتها. بعد أن ذكر فضل الشيخ العقبي في إصلاح النادي الترقي، الذي لم يكن غير، نادي للسمر وما يتبع السمر من مفاسد ومضيعة للوقت، فقام الشيخ بانقلاب في هذا النادي فتحول بفضل الله ثم بفضل جهود الطيب العقبي، إلى مركز إشعاع إصلاحي في الجزائر.
الموقف الأول: في سنة 1936، قدم الأستاذ الداعية الفضيل الورتلاني، من فرنسا التي انتدب إليها بتكليف من ابن باديس، للقيام بالعمل الإصلاحي هناك...، حفاظا على الجالية الجزائرية الموجودة بفرنسا، ومعه تقرير، عرضه بالنادي، ودام العرض ثلاث ساعات كما قال الأستاذ شرفاء.. وبعد انتهاء الفضيل من عرضه للتقرير، قام الشيخ الطيب العقبي، وقبّل رأس الفضيل الورتلاني، إكراما وتقديرا له، ولم يكن من عادة الشيخ الطيب تقبيل الرؤوس، وقد قال ما فعلت هذا في حياتي، إذ المعروف عن الشيخ الطيب أنه كان سلفيا قحّا، وتقبيل الرؤوس كان يومها من عادات الطرقيين وأهل البدع!! الموقف الثاني: عندما اتهم الشيخ الطيب بقتل الشيخ "عمر بن دالي" مفتي الجزائر في ثلاثينيات القرن الماضي، جيء بشخص، اعترف أنه هو القاتل، وقيامه بهذا العمل كان بتحريض من الشيخ الطيب وهو الذي أعطاه السكين التي قتل بها. وعند قاضي التحقيق واجه الشيخ، القاتل المزعوم، وقال له ما اسمك؟ قال اسمي محمد.. فقال له الشيخ: وهل محمد يكذب؟‍ فصاح القاتل المزعوم، ونفى التهمة عن الشيخ، وقال عن اعترافاته أنه لقِّنَها ولم تكن حقيقة، وقد بقي هذا الرجل في السجن، إلى بداية الستينيات من القرن الماضي.
أما الموقف الثالث: فقد كان بمناسبة رمضانية، وقد أرادت فرنسا أن يكون يوما، يفرق المؤمنين..؛ لأن جمعية العلماء، حسب مراسليها عبر التراب الوطني، قد ثبت عندها دخول الشهر، بثبوت رؤية هلال شوال، وكان الشيخ الطيب يومها مستقيلا من الجمعية، مستقلا بنشاطه في نادي الترقي، فأرادت الحكومة الاستعمارية أن تلعب على هذا الحبل، فاقتُرح عن رئيس جمعية العلماء يومها وهو الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وعن الشيخ الطيب، أن يعلنا موقفا موحدا، من على شرفات نادي الترقي، وكان ذلك، وصاحب هذا الاقتراح هو الشيخ عبد الرحمن شيبان الرئيس الحالي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الذي كان طالبا بالزيتونة يومها، كما جاء في تعقيبه على كلمة الأستاذ شرفاء. وقال الشيخ شيبان "عندما جئت إلى الشيخ الطيب وأخبرته بما نريد قال: "وهل تحسبوني أسير مع البنادر"، والبنادر يقصد بها أهل الطرق المهتمة بالشطح الصوفي...
ولمن لا يعرف الشيخ الطيب العقبي، هو واحد من المؤسسين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931، فهو الطيب بن محمد إبراهيم العقبي، فقد ولد بمدينة سيدي عقبة "بسكرة" سنة 1888م، وهاجر مع عائلته إلى الحجاز، واستقر بالمدينة المنورة التي تلقى بها تعليمه الأول.
وفي سنة 1920 عاد الشيخ العقبي إلى الجزائر، لإدارة شؤون العائلة، وربما لولا تلك الحجة –إدارة شؤون العائلة- لما كان لفرنسا أن تسمح لمشاغب مثله أن يدخل إلى البلاد، لا سيما أن له مواقف سياسية سابقة، نفي بسببها من مكة إلى تركيا.
وبعد عودته إلى الجزائر استقر بمدينة بسكرة، وشرع في النشاط الإصلاحي، رفقة آخرين من أقرانه ومحبي حركة الإصلاح، منهم محمد العيد آل خليفة، ومحمد الأمين العمودي، فأنشأ جريدة الإصلاح لنشر أفكاره الإصلاحية داعيا إلى ضرورة الثورة على الخرافة والشعوذة، والتمسك بتعاليم الإسلام الصحيحة انطلاقا من القرآن والسنة، ثم انتقل إلى العاصمة واستقر بها، وأشرف على إدارة نادي الترقي، الذي لم يكن إلا مكان للسمر وارتشاف القهوة وغيرها من "ملح" السامرين...، ويقال أن انتقاله إلى العاصمة كان باقتراح من بعض أعيانها.
ولما تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كان أحد أعمدتها، و عيّن مديرا لجريدة البصائر لسان حال بجمعية العلماء، وكان أحد العناصر الفاعلة في "المؤتمر الإسلامي " سنة 1936، الذي كان يمثل منعرجا هاما في تاريخ الجزائر السياسي، وكان ضمن الوفد الذي انتقل إلى باريس لتقديم مطالب المؤتمر الإسلامي.
وبمناسبة الغليان الذي خلفه المؤتمر الإسلامي في المجتمع الواقع السياسي في البلاد، أغتيل الشيخ كحول بن دالي وهو مفتي الجزائر الرسمي الذي يمثل الإدارة الاستعمارية، فاتهم الشيخ الطيب بهذا الفعل، وسجن بسببه ثم أطلق سراحه لانتفاء الأدلة، ولكن ملف القضية بقي مفتوحا، وتأثر الشيخ بهذه التهمة.
وفي سنة 1939، أو 1938، استقال من المجلس الإداري لجمعية العلماء، إثر خلاف بينه وبين الشيخ عبد الحميد بن باديس، حول إرسال برقية تأييد لفرنسا، في الحرب العالمية الثانية، وأعاد إصدار جريدته الأولى "الإصلاح" سنة 1939، التي كان يصدرها في العشرينيات ببسكرة، وواصل نشاطه بنادي الترقي. وخلال فترة الثورة التحريرية كان الشيخ العقبي طريح الفراش يعاني من مرض السكري إلى أن توفي يوم 21 ماي 1960، أي قبيل الاستقلال.
تهمة الاغتيال.. والمؤامرة على الجمعية
في الوقت الذي كان وفد المؤتمر الإسلامي، يعرض أفكاره، وما جاء به من باريس في الملعب البلدي بالحامة (رويسو) الآن، بالعاصمة الجزائرية، وبحضور قوى ووطنية متنوعة، ربما لأول مرة تجتمع هذه القوى على قضية تسمى قضية الشعب الجزائري.. وقعت حادثة اغتيال كحول بن دالي مفتي الجزائر...، بشارع بوزرينة الآن (لالير سابقا) بالجزائر العاصمة، وكان المتهم في هذه القضية الشيخ الطيب العقبي ورفيقه رجل الأعمال الإصلاحي عباس التركي.
وبقطع النظر عمن قام بهذه العملية، فإن المقصود بالإيذاء هو جمعية العلماء، ولم يكن المقصود "رأس" العقبي فحسب، فدبرت المكيدة بطريقة ما، لا ندري بالضبط كيف؟ لأن تفاصيلها لا تزال مجهولة إلى الآن، وإنما من خلال صياغة التهمة، والتصريحات التي أعقبتها، والمكان الذي وقعت فيه، يفهم أن المشكلة ليست مجرد اغتيال قام به فلان أو علان...، فعندما يشهد رجل لا يعرف العقبي، أنه هو القاتل، وأن الشيخ الطيب هو الذي حرضه وأعطاه السكين التي قتل بها، وتقع الجريمة في مكان قريب من النادي الذي يقع في ساحة الشهداء، ومن مقر جمعية العلماء، الذي كان في شارع (بومبي) بالقصبة وفي وقت أنظار الناس كلها مشدودة إلى الملعب الذي اجتمعت فيه عناصر من قيادة الجزائر الحقيقية، ثم يطلع علينا أحد أعضاء المؤتمر، -وهو ابن جلول- واحد دعاة الاندماج، بتصريح يقول فيه أنه لا يضع يده في أيدٍ ملطخة بالدماء!! ويقصد الجمعية، تصبح قضية الاغتيال هذه ما هي إلا المشجب الذي يراد أن تعلق عليه الكثير من غايات الإدارة الاستعمارية.

قصة البرقية وقانون القدر

إن قصة البرقية هذه، في رأيي تعتبر أكبر امتحان مرت به الجمعية في تاريخها، بعد سنوات قليلة من تأسيسها، ونموها الطبيعي المتزن المؤثر...، لما يحيط بها من ملابسات، وكأني بالقدر يخاطب الجمعية قائلا، قد آن لك أن تضحّي بأحد رجالك، زكاة لنمائك المتزايد، فوقع اختيار القدر على الشيخ الطيب العقبي..، وكان يمكن أن يكون ابن باديس؛ لأن الجمعية في هذه المرحلة قد بلغت مستوى من التأثير والفاعلية، ما يجعلها هدفا لسهام الصليبيين والحافدين والمنافسين غير الشرفاء.
فبعد سنتين فقط من تهمة الاغتيال، التي لا يزال ملفها مفتوحا وقد ذكرنا أن المقصود بها الجمعية، وليس شخص الطيب العقبي، تطلب فرنسا من جمعية العلماء، إرسال برقية تأييد لها في حربها مع الألمان...، ولماذا؟ وهل يتوقع أن تكون الجمعية مساندة لفرنسا؟؟ وهنا نضطر إلى أن نقول أن المقصود هو التشويش على الجمعية ومحاولة شق صفها، بإحداث كل ما يمكن أن يزعزعها عن المسار –ولو كان اختلاف في رأي فقهي- الذي سارت به خلال السنوات...، حيث كانت في نمو مستمر، فكانت فتنة البرقية هذه..
وقع الاختلاف، بين الشيخين الطيب العقبي وابن باديس، حول هذه البرقية، فكان رأي ابن باديس ألا نؤيد فرنسا بأي صورة كانت، باعتبار أن البرقية ستكون بمثابة الموقف السياسي المؤيد لفرنسا. أما الشيخ الطيب فكان يرى أن الموقف من الناحية الشرعية لا شيء فيه، وإنما هو بمثابة تأييد كافر على كافر، وبلغة أهل الجزائر الشعبية "داب ياكل جحش"...، وللبتّ في القضية رجعا إلى الجمعية وهياكلها، فأجري استفتاء، فكان التصويت بالأغلبية، لصالح رأي الشيخ عبد الحميد بن باديس...، وبعد ظهور النتيجة، حمد الشيخ عبد الحميد الله على هذه النتيجة، وقال قولته المشهورة لو قالت لي فرنسا قل لا إله إلا الله ما قلتها، وقال ما كان لي أن أرسل ببرقية تأييد لفرنسا ولو فصلوا رأسي هذا عن جسدي...
واستقال الشيخ الطيب من المجلس الإداري للجمعية، ولو ظهرت النتيجة لصالح العقبي، لاستقال الشيخ عبد الحميد، ولكن بعض الأتباع من الطرفين، ضخموا الموضوع وأعطوه أكثر مما يستحق؛ بل ربما كانوا سببا في تأجيج الخلاف ليتحول إلى شيء من الخصام وتراشق التهم!!
فالذي يرى أن الشيخ الطيب قد تراجع أو خان قضية الإصلاح، عليه أن يتوب إلى الله، لأن الرجل أعطى للجزائر، يوم لم يكن فيها أحد أصلا، لا سيما العاصمة، ولعل هذا ما جعل رجل مثل سي محمد أرزقي باصطا الضابط السابق في جيش التحرير أثناء الثورة، يقول "إن أول ثوري في الجزائر يقصد العاصمة طبعا هو الشيخ الطيب العقبي"، وكذلك من يقول أن الشيخ ابن باديس لم يكن إلا طرقيا أنقذه العقبي، كلام فيه الكثير من المغالطة؛ لأن الرجل حتى لو فرضنا جدلا أنه كان طرقيا!! فإن قابليته للفكر الإصلاحي واختلاط الإصلاح بدمه وعظمه، هو الأساس وليس ما كان عليه من قبل...، على فرض وقوعه.
إن قانون القدر اقتضى أن يكون فوز جمعية العلماء في هذا الامتحان الذي فرضته الإدارة الاستعمارية، التنازل على أحد رجليها، ولو لم يكن الشيخ الطيب لكان الشيخ عبد الحميد....، كما ذكرنا، لأن مبررات ذهاب أحدهما، لا تحتاج إلى توضيح أكثر.. ولماذا كان هذا ولم يكن ذاك؟ فذلك موضوع طويل لا تسمح به هذه الوقفة.
 
عودة
أعلى