الحقوق الفكرية وحمايتها

الروح الوطنية

نائب المشرف العام
طاقم الإدارة

الحقوق الفكرية وحمايتها
/ علي المرهون


كان طبيعياً أن يمارس الإنسان متعة "الإستحقاق" بعد أن تطور فكره وصار عالماً بمعادلة الحق والواجب ، فمارس سلطة صاحب الحق كمكتسب طبيعي يقبله ويدعمه العقل قبل التشريعات سماويها وأرضيها، لا يُنازعُ عليه إلا حين يُنازعه غاصب أو ظالم أو معتدٍ.
خلال مراحل التاريخ البشري تطور مفهوم "الحق" من كونه ممارسة وضع اليد على الملكية الخاصة إلى التصرف بها حتى وصل إلى أن اتفق فقهاء القانون على أن التعريف الإصطلاحي له هو أنه " عبارة عن فائدة مادية أو أدبية يحافظ عليها القانون بوساطة منح صاحبها قوة يعمل بها الأعمال اللازمة للتمتع بهذه الفائدة." في حين كان التعريف اللغوي لكلمة "حق" : الثبوت والوجوب.
لم تكن أوجه التعدي على الحقوق تخرج عن إطار السرقة المادية أو الانتفاع بممتلكات الآخرين دون إرادتهم أو ممارسة التسلط على حقوقهم دون مسوغ قانوني ، لكن التطور البشري ترافق مع تطور في أساليب التعدي وممارسة نقض حُرمة الحقوق فصارت السرقات اللامادية شائعة كالنوع المتعارف من السرقة ، وصارت الاستفادة من ممتلكات الآخرين دون إرادتهم تتم بأشكال غير تلك التي ألفها بنو البشر ، هذا لم يتأتى والفكر البشري ومكتسباته الحضارية ونتاجه العلمي جامد ، بل كان محصلة طبيعية لهذا التطور ، فكما العلوم تنكشف والأساليب العلمية والبحثية تتطور ، كذلك القرصنة والتعدي وسلب حقوق الآخرين تتطور.
أحد أوجه التطور في فقه القانون ما اصطُلح على تسميته "حماية الحقوق الفكرية" وهذه تعني مبدأ المحافظة على المكتسبات المادية والمعنوية التي يحرزها مخترع أو مؤلف أو مكتشف ، تنحصر سلطة التمتع بإستحقاقها بشخصه هو دون السماح للآخرين بالتعدي على حقه المادي كالانتفاع التسويقي والمالي بها وحقه المعنوي كإدعاء الحق فيها.
التفاعل العملي لهذا التنظير القانوني برز فيما خرج به علماء القانون وأسموه "براءة الاختراع" وهو تطور قانوني تقني لما وُجد في تاريخ الحضارة الرومانية التي مارس فيها الحاكم سلطة حماية حقوق المبدعين فكان أن منح مخترع أي طبخة جديدة حق طبخها لوحده مدة عام كامل مكافأة على إنجازه ولمنحه العوائد المترتبة على حصرية الانتفاع ، أما في التاريخ الحديث فأن أول من سنّ قانون "براءة الاختراع" هو الرئيس الأمريكي الأول جورج واشنطن الذي أمضى مرسوماً بإنفاذ القوانين المترتبة على حماية براءة الاختراع والقوانين المترتبة على خرق حمايتها.
لكن ماهي براءة الإختراع وكيف تتحصل؟
براءة الإختراع هي "وثيقة حكومية لمنع الآخرين من طبع ، بيع ، استعمال أو الانتفاع بأي شكل من الأشكال من الاختراع سواء كان سلعة أو سر أو علامة تجارية إلا بإذن من حامل وثيقة براءة الاختراع“ ويمكن تسجيلها عبر إتباع عدة خطوات تنتهي بالحصول على الوثيقة كتعبير على امتلاك حاملها لهذه الحقوق القانونية المترتبة عليها ومستند صالح كحجة قانونية أمام العديد من الأنظمة والأجهزة القانونية والحقوقية ، هذه الخطوات هي:
كتابة وتوثيق تسلسل إنتاج الفكرة.
البحث والتأكد من عدم وجود الفكرة مسبقاً.
تقييم الفكرة الإبداعية والتأكد من وجود قيمة فعلية لها.
التأكد من عدم وجود أسماء مخترعين مزيفين.
استخدام أبسط أنواع الحماية عند الحاجة الماسة.
التسجيل محلياً وعالمياً.
توقيع اتفاقية ضمان الحقوق.
و من نافلة القول أن التشريعات والقوانين في العالم العربي لم تصل بعد إلى القوة المطلوبة في القانون كعامل حماية وردع وجزاء ، فأغلب القوانين في هذه البلاد يجهل كاتبوها أهمية الحفاظ على حق كهذا فضلاً عن سنّه كقانون وترتيب آثار قانونية عليه وعلى ناقضيه.
هذا التردي من جانب المشرع والفقيه القانوني و ممثل السلطة هو في الحقيقة انعكاس لحالة الجهل بين المخترعين والمؤلفين والمبدعين بمبدأ حماية الحقوق الفكرية وتسجيل براءات الاختراع إما لجهل بأهميتها أو لقصور في الجوانب التقنية التنفيذية ، فأغلب أصحاب الإنتاج الإبداعي جاهلون بضرورة الحفاظ على حقوقهم في كل ما يمكن للآخرين الانتفاع به مهما صغُر حجمه أو قلّ في العين شأنه .
في العام 2006م سجلت الشركة المصنعة لأمواس الحلاقة "ماك3" 35 براءة اختراع في هذا المنتج وحده ، كفل لها حق الاستفادة من التقنيات الصناعية التي أبدعتها ، هذا العدد من الاختراعات في منتج صغير كهذا كان يعادل ما نسبته 15% من مجموع ما سجلته المملكة في نفس العام!!
و ليس وارداً هنا المقارنة بين ما سجلته مصر كرائدة في مجال تسجيل الاختراعات على المستوى العربي في العام 2006م وبين ما سجلته أمريكا مثلاً، فمصر تصدرت الدول العربية بـ 400 براءة اختراع في حين تصدرت أمريكا القائمة عالمياً بأكثر من 3 مليون براءة اختراع !!
لكن الوارد مقارنة بسيطة بين مجموع ما سجلته الدول العربية وما سجلته "إسرائيل" حيث فاق عدد براءات الاختراع التي سجلها مخترعون ومبدعون إسرائيليون 4 أضعاف مجموع ما سجله مخترعو ومبدعو العالم العربي!!
هذا الحال من التخلف القانوني والتشريعي المتصاحب مع تردي في الوعي وثقافة حماية الحقوق مدعاة للتفكر الجدي في إنشاء هيئة فعالة لتسجيل براءات الاختراع ، و تشريع قوانين تجرم الاعتداء على براءات الاختراع وتحمي حقوق المبدعين ، وكذلك نشر ثقافة حماية الحقوق وتعزيز الوعي بها من منطلق مقالة الإمام علي عليه السلام " لا تحقرنّ من المعروف شيئاً" فكل ما قد يُستفاد منه .. سيُستفاد منه ، إما بحق أو بتعدٍ وتجاوز.

أصول القوانين: د. محمد كامل مرسي.
 
عودة
أعلى